العصيان المدني
هل يوصل البلاد إلى إنقلاب
أم ثورة ؟؟؟؟
مدخل :
كل الإنقلابات العسكرية التي شهدها
السودان لم تكن من تدبير الجيش بل كان مدبروها مدنيون .... بعض الإنقلابيين يسمون
الأشياء بغير مسمياتها فيدعون أن انقلابهم ثورة مع إن هدف الثورة تحرير الشعب لا
حكم الشعب ، والثورة يقودها الشعب وليس الجيش .
كل الأحزاب السودانية
اقترفت جريمة الإنقلاب العسكري وأول من سن هذه المعصية حزب الأمة (إنقلاب عبود)
أما الحزب الشيوعي فعلها مرتين في مايو 1969 وفي يوليو 1971 ، وكان الأتحادي
الديمقراطي المحرك الأساسي في غزوة 1976 الذي سماها جعفر نميري (المرتزقة) وما تمر
به البلاد حالياً نتيجة لإنقلاب الحركة الأسلامية في يونيو 1989.
الإنقلاب الأول
1958:
لا يخفى على الكثيرين أن
أول إنقلاب شهدته البلاد في 17 نوفمبر 1958 كان بطلب من رئيس الوزراء وزعيم حزب
الأمة حينها (عبد الله خليل ) الذي طلب من الفريق (إبراهيم عبود) أن يستولي الجيش
على زمام الحكم وكان يأمل رئيس الوزراء أن يقطع الطريق على حزب الشعب الديمقراطي
والحزب الوطني الإتحادي بعد أن تحالفا حينها لعزل حزب الأمة ... وكان ذلك بمباركة
السيد عبد الرحمن المهدي (1) .
الثورة الأولى
1964 :
بعد خروج الشعب إلى الشارع
عاد العسكر إلى ثكناتهم إستجابةً لثورة أكتوبر المجيدة التي كانت شرارتها من حوش
جامعة الخرطوم التي شاركت فيه الحركة العمالية والحركة الطالبية والخدمة المدنية
وقد سجلت هذه الثورة كأول ثورة يشهدها العالم العربي والأفريقي ... بعد الثورة
تكونت جبهة الهيئات التي اتفقت على الميثاق الوطني كدليل للعمل السياسي وضمت
الحكومة ممثلاً لكل من الأمة والوطني الإتحادي وجبهة الميثاق الإسلامي والشعب
الديمقراطي والحزب الشيوعي برئاسة سر
الختم خليفة .
فترة
الديمقراطية (1964-1969) :
كانت الأنظمة البرلمانية
في الفترة من (1964-1969) تتميز بالفوضى وعدم وضوح
أهدافها وفشلت الأحزاب التقليدية والجديدة في إنجاز أهدافها نتيجة للأزمات
والإنقسامات التي حدثت بين الأحزاب التقليدية كشفت عن عقمها في وإفلاسها الذي حفز
لخروج المارد (جعفر نميري ) من قمقمه .
الإنقلاب الثانى
1969:
كان اليوزباشى جعفر نميري
واحد من تنظيم الضباط الأحرار الذين تم اعتقالهم بعد المحاولة الإنقلابية الفاشلة
في العام 1967 .. في العام 1969 أبدى
تنظيم الضباط الأحرار عزمه على اتباع طريق الإشتراكية واتبعوا سياسة سموها
سياسة التطهير فحظروا كل الأحزاب السياسية عدا الإتحاد الإشتراكي واعتقلوا كل
قيادات الأحزاب وكل الوزراء السابقين .
الثورة الثانية 1985:
بالرغم من الأنجازات التي
تحققت في عهد نميري إلا أن سياسة القمع والتطهير التي انتهجها والدماء التي سفكها
(أبعاج) ..وشهد عهده مجزرة بيت الضيافة وقصف شعب الجزيرة أبا بالطيران ومجزرة
ودنوباوي أيام تحالف النميري مع اليسار
خرج الشعب و القيادات
السياسية والنقابية ضد النميري وتدخل المشير عبد الرحمن سوار الدهب داعماً ومؤيداً
لثورة الشعب وقد كان وفياً وزاهداً في السلطة فسلمها للشعب ولم يكن كسابقيه .
فترة
الديمقراطية الثالثة (1986-1989) :
بعد انتخابات 1986 تشكلت
حكومة ائتلافية بين الحزبين (الأمة والإتحادي) وتزعمت الجبهة الإسلامية للمعارضة في الجمعية التاسيسية
... ركزت الحكومة الإئتلافية جهدها في كنس آثار النظام المايوى وألغت قوانين
الشريعة التي سميت بقوانين سبتمبر .
زاد الخناق على الحكومة
الأئتلافية بعد أن اشتدت وطأة الحرب في جنوب السودان مما دفع ولأول مرة طرح فكرة
الدفاع الشعبي لإيقاف السقوط المتتالي لمدن جنوب السودان حتى لا يسقط في يد قوات
جون قرنق . ودعت الجبهة الإسلامية لتوحيد الجبهة الوطنية لصد الحركة الشعبية .
الإنقلاب الثالث
1989:
خلال فترة الديمقراطية
الثالثة و في مطلع العام 1989 تم الإئتلاف
بين حزب الامة والجبهة الاسلامية القومية وعلى اثره تم تعيين د.حسن الترابي ممثل الجبهة
الإسلامية القومية في منصب نائب رئيس الوزراء بالرغم من رفض وزراء الحكومة وعلى
رأسهم وزير الدفاع الذي استقال إحتجاجا على مشاركة الإسلاميين في الحكومة. ولكن بعد أن دخل
الصادق المهدي في محادثات سلام مع الحركة الشعبية تم بموجبها اتفاق بين الحكومة والحركة
الشعبية على وقف إطلاق النار، وبعد أن تم إلغاء قوانين سبتمبر إستقالت الجبهة الإسلامية من حكومة الصادق
المهدي . أيقن الإسلاميون أن هنالك إنقلاب عسكري قادم لإستئصالهم وقرروا أن
يسارعوا في تدبير انقلاب يحول دون ذلك فسارعوا بتنفيذ انقلابهم وفي الثلاثين من
يونيو من نفس العام تم إسقاط حكومة صادق المهدي بعد انقلاب قاده العميد عمر حسن
أحمد البشير.
بالرغم من نجاح انقلاب الإسلاميين إلاّ أن هذا النجاح
أوصلهم إلى فشل عظيم في إدارة الدولة ودخلت قياداتهم في صراع بين الهوية الهوى و
فاز في هذا الصراع الهوى . وبعد الفشل في إدارة البلاد تفشى داء الإستبداد السياسي
واستشرى الفساد الذي أوصل البلاد إلى هذا الإنهيار الإقتصادي المريع ...
مع أن الإسلاميين لديهم قناعة بأنّ الوصول للسلطة يجب أن
يكون عبر صناديق الإقتراع إلّا أنّ خوفهم وقلقهم دفعهم للوصول على ظهر الدبابة ،
ولم تكن لديهم الشجاعة للعودة إلى الشرعية الدستورية بعد أن أمّنت نفسها من قادة
الجيش الذين كانوا يخططون لإستئصال الإسلاميين وأبعادهم المشاركة في حكومة
الديمقراطية الثالثة .
الثورة الثالثة .............................:
هل سيكون العصيان المدني 19 ديسمبر 2016 بداية النهاية
لنظام البشير الذي ينوي تشكيل حكومة الحوار الوطني في غرة يناير أم سيكون آخر
محاولة لإزاحة هذا النظام الذي استمر لأكثر من ربع قرن من الزمان .
المراجع:
(1)
تاريخ الحركة الوطنية في السودان
(1900-1969) صدر في 1980 – للبروفسور محمد عمر بشير.
(2)
السودان بين الدين والسياسة 2013 – مجموعة باحثين